الأستاذة ريناد بنت عبدالكريم السعدون – إدارة الشؤون القانونية، تقدم لكم هذا المقال القانوني بعنوان “المسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية”، الذي يسلط الضوء على أحد المواضيع البارزة في مجال الرعاية الصحية والأنظمة القانونية المرتبطة بها.
يناقش المقال مفهوم الخطأ الطبي وأنواعه، ويوضح الأطر القانونية المعمول بها في المملكة العربية السعودية لتحديد مسؤولية الممارسين الصحيين عند وقوع الأخطاء، كما يستعرض شروط المطالبة بالتعويض وآليات تقديره وفقًا للأنظمة السارية.
يهدف هذا المقال إلى أن يكون مرجعًا لكل من يسعى إلى فهم طبيعة المسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية، بما يسهم في رفع الوعي القانوني لدى المرضى والممارسين على حد سواء، ويعزز من جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى.
المسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية
تُعد الأخطاء الطبية من القضايا الشائكة التي تمس جوهر العلاقة بين المريض والممارس الصحي، إذ قد يكون في بعض الأحيان لخطأ بسيط في التشخيص أو العلاج عواقب جسيمة على حياة الأفراد، وعلى الرغم من التقدم الطبي والتقنيات الحديثة، لا تزال الأخطاء الطبية وارده وتستوجب التعويض عن أثرها، مما يثير تساؤلات حول المسؤولية القانونية للممارسين الصحيين وحقوق المرضى في المطالبة بالتعويض نتيجة لضرر الذي لحق بهم من الخطأ الطبي.
وفي المملكة العربية السعودية حرص المنظم على وضع إطار قانوني واضح يحدد المسؤولية الطبية، ويوازن بين حماية حقوق المرضى ومساءلة الممارسين الصحيين عند ارتكاب الأخطاء، في هذا المقال نسلط الضوء على مفهوم الخطأ الطبي، أنواعه، المسؤولية القانونية المترتبة عليه، وشروط المطالبة بالتعويض، مع توضيح آليات تقدير التعويض وفقًا للأنظمة المعمول بها، بهدف تقديم صورة شاملة عن هذا الموضوع.
أولًا: تعريف الخطأ الطبي
يُعرَّف الخطأ الطبي بأنه: كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض (الغنامي، 2022)، ويمكن القول بأنه أي مخالفة أو انحراف عن الأصول المهنية المتعارف عليها في الممارسة الطبية مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمريض. ويشمل ذلك الإهمال، التشخيص الخاطئ، الأخطاء العلاجية، وغيرها من الحالات، وقد نظّم نظام مزاولة المهن الصحية الصادر مرسوم ملكي رقم (م/59) وتاريخ: 4 / 11 / 1426ه، في المادة (27) هذا المفهوم، حيث نص على أن “كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه بالتعويض..”.
كما أوضحت المادة أن الخطأ الطبي يشمل الحالات التالية:
1. الخطأ في العلاج أو نقص المتابعة.
2. الجهل بأمور فنية يجب الإلمام بها.
3. إجراء عمليات جراحية أو تجارب غير مرخصة.
4. إعطاء أدوية على سبيل الاختبار.
5. استخدام أجهزة طبية دون معرفة كافية بطريقة تشغيلها أو دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
6. التقصير في الرقابة أو الإشراف الطبي.
7. عدم استشارة المختصين في الحالات التي تستدعي ذلك.
ويُعد باطلًا أي شرط يُعفي الممارس الصحي من المسؤولية أو يُحددها، ضمانًا لحقوق المرضى وسلامتهم.
ثانيًا: أنواع الأخطاء الطبية
يمكن تصنيف الأخطاء الطبية إلى أربع فئات رئيسية:
1. الإهمال الطبي: مثل عدم اتخاذ الإجراءات الطبية الضرورية أو التأخر في التدخل العلاجي المناسب.
2. الأخطاء التشخيصية: كتشخيص الحالة الصحية بشكل خاطئ، مما يؤدي إلى وصف علاج غير مناسب، أو اتخاذ اجراء طبي غير مناسب للحالة الصحية التي تم تشخيصها
3. الأخطاء الجراحية: كإجراء عمليات لا تستدعي الحالة القيام بها، أو ارتكاب أخطاء أثناء الجراحة تتسبب في أضرار للمريض.
4. الأخطاء الدوائية: وتشمل وصف أدوية غير ملائمة لحالة المريض أو صرف جرعات خاطئة قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
ثالثًا: المسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية
حدد النظام السعودي ثلاثة أنواع من المسؤوليات التي تترتب على وقوع الأخطاء الطبية:
1. المسؤولية المدنية: يلتزم الطبيب أو المنشأة الطبية بتعويض المريض عن الأضرار التي لحقت به، سواء كانت جسدية أو نفسية أو مالية.
2. المسؤولية الجنائية: تقوم المسؤولية الجزائية على الطبيب عند ارتكابهأحد الأفعال التي تشكل جريمة في الأنظمة الجزائية، مثل جريمة الإجهاض غير المشروع، وجريمة تعمد الضرر بالمريض وغيرها من الأفعال الجرمية
3. المسؤولية التأديبية: تتعلق بالعقوبات الإدارية التي تُفرض على الطبيب المخالف، مثل الإنذار، الغرامة المالية، تعليق الترخيص، أو حتى منعه من مزاولة المهنة في بعض الحالات.
وقد أكدت المادة (31) من نظام مزاولة المهن الصحية على أن الممارس الصحي يكون محل مساءلة تأديبية إذا أخلّ بواجباته أو خالف أصول مهنته أو تصرف بما يعد خروجًا على مقتضيات المهنة وأخلاقياتها.
رابعًا: شروط المطالبة بالتعويض عن الخطأ الطبي
يحق للمريض أو ذويه المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن خطأ طبي، لكن يتعين عليهم إثبات توفر الأركان التعويض الثلاثة وهي على النحو التالي:
1. الخطأ طبي: أي إثبات مخالفة الطبيب أو المنشأة للمعايير المهنية المتعارف عليها بتوافر أحد الحالات الوارد ذكرها في المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية.
2. الضرر: وهو ما نتج عن الخطأ المرتكب كالإعاقة الجسمية، أو الوفاة أو غيرها من الأضرار، حيث لا يُمكن المطالبة بالتعويض إذا لم يكن هناك ضرر فعلي نتج عن الخطأ.
3. العلاقة السببية بين الخطأ والضرر: أي إثبات أن الضرر الذي أصاب المريض كان نتيجة مباشرة للخطأ الطبي.
وتُثبت هذه الأركان من خلال التقارير الطبية وسجلات المستشفى، بالإضافة إلى آراء الخبراء أمام المحكمة المختصة.
خامسًا: تقدير التعويض عن الأخطاء الطبية
لا يوجد مبلغ ثابت لتعويض الأخطاء الطبية، حيث يتم تقدير التعويض وفقًا لحجم الخطأ وجسامته ومدى الضرر الذي لحق بالمريض وذلك وفقأ للمادة (120) من نظام المعاملات المدنية التي نصت على: (كل خطأ سبب ضررًا للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض)، فقد تتراوح التعويضات بين عشرات الآلاف إلى ملايين الريالات، وذلك حسب جسامة الخطأ والأضرار الناتجة عن هذا الخطأ.
ختامًا… يُعد ضمان سلامة المرضى وتقليل الأخطاء الطبية من أولويات الأنظمة الصحية، ويهدف المنظم السعودي إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق المرضى ومساءلة الممارسين الصحيين عند ارتكاب الأخطاء، حيث يُشكل التعويض عن الخطأ الطبي وسيلة لجبر الضرر، لكنه لا يغني عن ضرورة تعزيز الرقابة الطبية، وتطوير معايير المساءلة، ورفع مستوى التدريب لضمان تقديم رعاية صحية آمنة وفعالة.