الأستاذ محمد بن حماد الحربي – إدارة الشؤون القانونية، يقدم لكم هذا المقال القانوني بعنوان “الاحتيال المالي في العملات الرقمية”، الذي يسلط الضوء على أحد المواضيع المهمة في عالم المال والاستثمار الرقمي.
يناقش المقال الأساليب الاحتيالية الشائعة في سوق العملات الرقمية، ويوضح الأطر القانونية المتبعة في المملكة العربية السعودية لمكافحة هذه الجرائم، كما يستعرض الإجراءات الوقائية التي يمكن للأفراد اتخاذها لحماية أنفسهم من الوقوع ضحايا لهذه العمليات الاحتيالية.
يهدف هذا المقال إلى أن يكون مرجعًا لكل من يسعى إلى فهم طبيعة الاحتيال المالي في العملات الرقمية، وآليات مكافحته، بما يعزز الوعي القانوني ويحمي حقوق المستثمرين في ظل التطورات الرقمية المتسارعة.
الاحتيال المالي في العملات الرقمية
في ظل التطور الرقمي وانتشار الأصول الرقمية، برزت العملات الرقمية كإحدى الأدوات المالية الحديثة التي جذبت العديد من المستثمرين، إلا أن هذا الانتشار رافقه ارتفاع ملحوظ في معدلات الاحتيال المالي حيث يستغل المحتالون ضعف الوعي القانوني والتقني لدى الأفراد، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الأساليب الاحتيالية المرتبطة بالعملات الرقمية، مع تحليل الإطار القانوني في المملكة العربية السعودية لمكافحة هذه الجرائم.
تتعدد أساليب الاحتيال التي يتم استغلال العملات الرقمية فيها، وتمثل بعض القصص الواقعية نماذج واضحة لهذا النوع من الجريمة، في هذا السياق، نسلط الضوء على إحدى القصص التي توضح كيف يمكن للمحتالين استغلال طمع بعض الأفراد وعدم خبرتهم القانونية والتقنية لإيقاعهم في فخ الاحتيال، حيث سيتضح كيف بدأ هذا النوع من الاحتيال، وكيف يمكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة.
من حلم الثراء إلى سراب الاحتيال: قصة أحمد مع العملات الرقمية:
بينما كان أحمد يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، لفت انتباهه إعلان استثماري يعد بأرباح ضخمة عبر العملات الرقمية دفعه فضوله للتواصل مع الجهة المعلنة، استقبله مندوب يدّعي الخبرة المالية وأقنعه بسرعة بأن هذه فرصة ذهبية، بدأ أحمد باستثمار مبلغ صغير، وبالفعل شاهد أرباحًا خيالية على منصتهم الافتراضية، مما دفعه إلى زيادة استثماره واقتراض المال، مع مرور الوقت زادت ثقة أحمد بالمنصة، فقرر دعوة صديقه خالد ليشارك في هذه الفرصة الذهبية، استثمر خالد مبلغًا أكبر بناءً على توصية أحمد، لكنه سرعان ما لاحظ تأخيرًا غير مبرر في عمليات السحب. عندما قرر أحمد وخالد سحب أموالهما، واجها عراقيل متتالية؛ رسوم غير متوقعة، إجراءات تحقق مزعومة، ومماطلة مستمرة، ثم اكتشفا أن المنصة التي استثمرا فيها اختفت تمامًا، هنا أدرك أحمد وصديقه أنهما ضحيتان لعملية احتيال محكمة هذه القصة، التي تتكرر مع آلاف الضحايا، تعكس خطورة الاحتيال المالي في سوق العملات الرقمية، وهو ما يستوجب تسليط الضوء على آليات الاحتيال، وأطر المكافحة القانونية، وسبل الحماية
أولًا: كيف تجري عمليات الاحتيال المالي بالعملات الرقمية؟
تتنوع أساليب الاحتيال في هذا المجال، ومن أبرزها:
• إعلانات الاستثمار الوهمي: يستدرج المحتالون الضحايا عبر منصات التواصل الاجتماعي، موهمين إياهم بعوائد ضخمة ومضمونة.
• التلاعب النفسي: يخلق المحتال بيئة من الثقة عبر محادثات ودية وعروض مغرية، مستغلًا جهل الضحايا بالتقنيات المالية.
• التلاعب بالسوق: يروج المحتالون لارتفاع زائف في قيمة عملات غير معروفة، لإقناع المستثمرين الجدد بالشراء قبل انهيارها.
• طلبات الدفع المتكررة: بعد استثمار الضحية، تُفرض عليه رسوم غير مبررة، أو يُطلب منه إيداع مزيد من الأموال لاسترداد أرباحه المزعومة.
ثانيًا: الإطار القانوني لمكافحة الاحتيال المالي في العملات الرقمية
ا- في النظام السعودي:
تحرص المملكة العربية السعودية على حماية الأفراد من الممارساتالاحتيالية من خلال وضع نظام خاص لمكافحة هذه الجرائم، وهونظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة، الصادر بالمرسوم ملكي رقم (م/79) وتاريخ 10/09/ 1442 ه، حيث يهدف هذاالنظام إلى منع الاستيلاء غير المشروع على الأموال، وتعزيزالنزاهة في المعاملات المالية، مما يساهم في حماية الأفراد منالممارسات الاحتيالية، وتعزيز الشفافية والاستقرار في المعاملاتالمالية، وذلك من خلال فرض عقوبات صارمة على مرتكبي هذهالجرائم.
ما هو الاحتيال المالي؟
يُقصد بالاحتيال المالي كل تصرف ينطوي على خداع أو تلاعب او إيهام يؤدي إلى الاستيلاء على أموال الآخرين أو تحقيق منفعة غير مشروعة، سواء عبر تقديم معلومات كاذبة أو انتحال صفة غير صحيحة، أو استغلال ثغرات قانونية أو تقنية للإيقاع بالمجني عليه، وتزداد خطورة هذه الجرائم مع التطور التكنولوجي الذي أتاح أساليب احتيالية أكثر تعقيدًا.
العقوبات المقررة لجرائم الاحتيال المالي:
نظرًا لخطورة هذه الجرائم، فرض المنظم عقوبات صارمة وفقًا للمادة الأولى من نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة فأن العقوبة تصل إلى السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات وغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال سعودي، أو بكلا العقوبتين معًا، إضافةً إلى أنه تشتد العقوبة إذا ارتُكبت الجريمة ضمن تنظيم احتيالي منظم أو استهدفت عدة ضحايا.
ب- في القوانين الدولية:
تفرض الاتفاقية الدولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية (اتفاقية بودابست) تعاونًا دوليًا لمكافحة الاحتيال الرقمي، كما تضع هيئات الرقابة المالية العالمية مثل هيئة الأوراق المالية الأمريكية (SEC) وهيئة السلوك المالي البريطانية (FCA) لوائح صارمة لحماية المستثمرين، يشمل هذا الإطار أيضًا اتفاقيات التعاون القضائي مع الإنتربول واتفاقيات المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول، التي تسعى إلى تعزيز قدرات الجهات القضائية في تعقب ومحاسبة الجناة على مستوى دولي، ورغم ذلك، يبقى التطبيق العملي لهذه الاتفاقيات معقدًا، خاصةً في الحالات التي يكون فيها الجاني في دولة لا تجرَّم مثل هذه الأفعال أو تفتقر إلى آليات التسليم الدولي للمجرمين، أو أن تتم عملية الاحتيال في المملكة لكن الجاني بدوره يقوم بتحويل الأموال خارج المملكة.
ومن هنا، يتضح أن الوقاية والوعي الشخصي يمثلان خط الدفاع،إذ ينبغي على الأفراد اتخاذ الحيطة والحذر عند التعامل مع عروض الاستثمار والتأكد من مصداقية الجهات المتعاملة معهم في ظل هذا الإطار الدولي المتشابك.
ما هي الإجراءات المتبعة عند تعرض الفرد للاحتيال المالي؟
عند تعرض أي شخص للاحتيال المالي، يجب عليك أن تتخذخطوات فورية لحماية حقوقه وهي:
• تجميد المبلغ المالي: ينبغي تجميد المبلغ المتأثر فور اكتشاف الواقعة، وذلك لمنع تحويل الأموال أو استغلالها من قبل المحتال، عن طريق التواصل بشكل مباشر مع البنك.
• رفع بلاغ: يمكن رفع بلاغ عن طريق “أبشر” المخصص للتبليغ عن الاحتيال المالي أو التوجه إلى أقرب مركز شرطة. بعد ذلك، تقوم الشرطة بإحالة البلاغ للنيابة العامة لمباشرة التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
هذه الإجراءات تُعد الخطوة الأساسية لمحاسبة الجناة واسترداد الحقوق، إذ تساعد على ضبط الوضع القانوني وتمكين الجهات المختصة من التدخل بسرعة.
ثالثًا: كيف تحمي نفسك من الاحتيال المالي بالعملات الرقمية؟
• التأكد من التراخيص: لا تستثمر في أي منصة غير مرخصة رسميًا من الجهات المختصة.
• عدم الاندفاع وراء الإغراءات: العروض التي تبدو مربحة بشكل غير منطقي غالبًا ما تكون عمليات احتيال.
• التحقق من خلفية المنصة: ابحث عن تقييمات المستخدمين، وكن حذرًا من الشركات التي ليس لها سجل موثوق.
• عدم مشاركة بياناتك المالية: المحتالون يستخدمون معلوماتك لتنفيذ عمليات سحب غير مشروعة.
وفي النهاية:
أخي المواطن، أخي المقيم، لا شك أن العملات الرقمية تمثل ثورة مالية تحمل في طياتها فرصًا كبيرة، لكنها في الوقت ذاته تفتح أبوابًا لمخاطر الاحتيال التي يقع ضحيتها الكثيرون بسبب قلة الوعي والاستعجال خلف الربح السريع، إن اتخاذ الحيطة والحذر قبل الدخول في أي استثمار، والتحقق من الجهات المرخصة، هو مسؤولية شخصية وقانونية، فإن كنت ضحية للاحتيال، فلا تتردد في اتخاذ الإجراءات النظامية لحفظ حقوقك، فالقانون وُضع لحمايتك، والجهات المختصة تعمل على محاسبة المحتالين، وتأكد أنه لا توجد أرباح مضمونة في عالم المال.
الوعي هو الحصن الأول ضد عمليات الاحتيال المالي، فكن يقظًا ولا تكن الضحية التالية!