العيوب الخفية في عقود التمويل بين شرط البراءة وحماية المشتري

العيوب الخفية في عقود التمويل بين شرط البراءة وحماية المشتري

هل سبق لك أن اشتريت عقارًا واكتشفت وجود عيوب لم تكن واضحة عند الشراء على سبيل المثال لا الحصر ظهور تسرب مياه من الأنابيب الداخلية للعقار؟ هذه المشكلة شائعة بين المشترين خاصة في عقود التمويل العقاري حيث يبرز (شرط البراءة من العيوب الخفية) كأحد الشروط الأساسية التي تهدف إلى إعفاء البائع أو الممول من المسؤولية عن العيوب التي قد تظهر لاحقًا، ورغم شيوع هذا الشرط، فإنه يثير تساؤلات قانونية حول تأثيره على حقوق المشتري ومدى تحقيق التوازن بين مصالح الطرفين، وكيف يمكن للمشتري استيفاء حقه في ظل هذا الشرط؟ 

أولاً: مفهوم العيوب الخفية وشرط البراءة

العيب الخفي: هو العيب الذي يكون موجودًا وقت المبيع ولكن ليس بوسع المشترى العلم به ولو فحص المبيع بعناية الرجل العادي.

العيوب الخفية في العقار: هي العيوب التي لا يمكن العلم بها عند فحص العقار بعناية الرجل العادي وتكون موجودة قبل إتمام العقد. 

وشرط البراءة من العيوب الخفية: فهو بند يُدرج في العقود لإعفاء البائع أو الممول من أي مسؤولية قانونية عن عيوب قد تظهر لاحقًا للمشتري وتوجد قبل الشراء، بهدف حماية الطرف البائع أو الممول، لكنه قد يضع عبئًا كبيرًا على المشتري، لا سيما إذا كانت العيوب تؤثر جوهريًا على استخدام العقار للغرض المتفق عليه.

ثانيًا: الإطار القانوني لشرط البراءة من العيوب الخفية 

تخضع عقود التمويل العقاري في هذه المسألة لأحكام نظام المعاملات المدنية ونظام التمويل العقاري، وتختص بها المحاكم العامة بالفصل في النزاعات الناشئة عنها، وعلى الرغم أن الأنظمة تمنح الأطراف حرية وضع الشروط التعاقدية، إلا أن شرط البراءة يخضع لإعادة النظر أمام المحاكم كغيره من البنود وذلك لضمان عدم الإضرار بمصلحة المشتري وذلك وفقًا لحجم العيب وضرره، حيث أنه يُعد شرط البراءة ساريًا إذا لم يؤثر العيب جوهريًا على استخدام العقار أو كان العيب مقبولًا بناءً على طبيعة العقار، ويحق للمشتري طلب التعويض إذا أثبت أن العيب يؤثر بشكل كبير على صلاحية العقار ولم يكن بالإمكان اكتشافه وقت التوقيع على العقد، فإن كان العيب جوهري فينفسخ العقد نظرًا لكونه العيب يخل بالغرض الأساسي من شراء العقار، مع الاخذ بعين الاعتبار بمدد التقادم الواردة في المادة الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة من نظام المعاملات المدنية التي نصت على أنه (لا تُسمع دعوى ضمان العيب بانقضاء مائةٍ وثمانين يومًا من تاريخ تسليم المبيع؛ ما لم يلتزم البائع بالضمان مدة أطول).

ثالثًا: أنواع العيوب 

العيوب التي قد تؤثر على العقارات تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

  1. عيوب يسيرة: تنطبق عليها القاعدة الفقهية (اليسير مغتفر في البيوع)، وغالبًا لا تؤثر على الغرض الأساسي للعقار.
  2. عيوب متوسطة: يطالب فيها المشتري بالتعويض أو الأرش لتغطية الأضرار الناتجة عنها.
  3. عيوب جوهرية: يحق للمشتري المطالبة بفسخ العقد واسترداد الثمن.

رابعًا: التوازن في حماية حقوق المشتري والبائع الممول

تعمل الأنظمة السعودية والقضاء على تحقيق التوازن بين حماية حقوق المشتري والبائع الممول، بما يضمن عدم الإضرار بأي من الطرفين استنادًا إلى القاعدة الفقهية (لا ضرر ولا ضرار)، وفقًا للمادة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمائة من نظام المعاملات المدنية حيث لا يضمن البائع العيب في حالات محددة، منها: إذا كان المشتري يعلم بالعيب وقت البيع، أو كان بإمكانه اكتشافه بفحص المبيع بعناية الشخص المعتاد، ما لم يضمن البائع سلامة المبيع أو تعمد إخفاء العيب، كما لا يُلزم البائع بالضمان إذا كان العيب مما جرى العرف على التسامح فيه، أو إذا حدث العيب بعد التسليم ولم يكن مستندًا إلى سبب موجود قبل ذلك.

ختامًا.. شرط البراءة من العيوب الخفية أداة قانونية لحماية الممولين والبائعين، لكنه يشكل تحديًا أمام حقوق المشترين. لذا، ينبغي على الأطراف المتعاقدة، وخاصة المشترين، فهم بنود العقد بوضوح واستشارة المختصين قبل التوقيع وفحص العقار بشكل دقيق تلافيًا للنزاعات القضائية، وفي حال حدوث نزاعات يبقى القضاء هو المرجع لضمان تحقيق التوازن وحماية الحقوق.

أ.ريناد بنت عبدالكريم السعدون

إدارة الشؤون القانونية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top