نقدّم لكم هذا المقال القانوني بعنوان “دور المحامي في جلسات الاستجواب بين الضمانات النظامية والمسؤولية المهنية”، الذي يتناول أحد أهم المراحل في الدعوى الجنائية، ويبرز مكانة المحامي كشريك أساسي في تحقيق العدالة وصون الحقوق. يستعرض المقال الضمانات النظامية المقررة لحضور المحامي أثناء الاستجواب، ويبين الأدوار العملية التي ينهض بها في حماية المتهم وتوجيهه، بما يضمن نزاهة التحقيق وعدالة الإجراءات.
كتب هذا المقال الأستاذ محمد بن حماد الحربي – مدير إدارة الشؤون القانونية – ليكون مرجعًا لكل من يرغب في الإلمام بالدور المحوري للمحامي أثناء جلسات الاستجواب، وضماناته النظامية والعملية التي تكفل صون الحقوق وحماية المتهمين، بما يعزز الثقة في العدالة ويترجم مبادئ الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية في المملكة العربية السعودية.
الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والعدوان، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ المبعوث رحمة للعالمين، الذي قامت شريعته على صيانة الحقوق وحماية الكرامات.
تمر الدعوى الجنائية بثلاث مراحل أساسية: مرحلة الاستدلال التي تتولاها جهات الضبط الجنائي لجمع المعلومات الأولية، ثم مرحلة التحقيق التي تضطلع بها النيابة العامة لتثبيت الأدلة وتقدير الموقف، وأخيرًا مرحلة المحاكمة التي يُفصل فيها النزاع أمام القضاء المختص.
ويُعد التحقيق الجنائي قلب الدعوى ومحورها، إذ يشتمل على عدة إجراءات أهمها الاستجواب، وهو إجراء من إجراءات التحقيق يباشره المحقق للتثبت من شخصية المتهم، ومناقشته تفصيلاً في التهمة المنسوبة إليه، وعرض الأدلة القائمة في الدعوى عليه، سواء كانت إثباتًا أو نفيًا.
وبالنظر إلى خطورة هذه المرحلة وأثرها المباشر على مسار القضية الجنائية، برزت أهمية حضور المحامي إلى جانب المتهم، لضمان سلامة الإجراءات وصون حقوق الدفاع، بما يحقق العدالة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وأكدتها الأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية.
أولًا: الحق في الاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيق
قرر نظام الإجراءات الجزائية في المادة الرابعة أن لكل متهم الحق في الاستعانة بمحامٍ في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، كما نصت المادة الخامسة والستون على وجوب تمكين المتهم من هذا الحق أثناء التحقيق. وهذا النص لا يعد ترفًا إجرائيًا، وإنما هو ضمانة جوهرية تكفل للمتهم الدفاع عن نفسه، وتمنع تغول سلطة التحقيق عليه.
ثانيًا: عدم جواز عزل المحامي أو منعه
أكدت المادة السبعين أنه لا يجوز للمحقق أن يعزل المتهم عن محاميه أثناء التحقيق. ورغم أن للمحقق سلطة تقديرية في الحد من تدخل المحامي المباشر، إلا أن للمحامي أن يقدم مذكرة خطية بملحوظاته، وعلى المحقق ضمها إلى ملف القضية. وبذلك وازن المنظم بين مقتضيات سير التحقيق وبين ضمان تمكين الدفاع من أداء دوره.
ثالثًا: ضمان حرية المتهم في الاستجواب
جاء في المادة (102) من النظام أن الاستجواب يجب أن يتم في ظروف لا تؤثر على إرادة المتهم، ولا يجوز تحليفه، أو استعمال وسائل الإكراه ضده، كما لا يجوز استجوابه خارج مقر جهة التحقيق إلا لضرورة يقدرها المحقق. وهنا يتضح الدور الرقابي للمحامي في منع أي تجاوز أو ضغط قد يؤثر على إرادة المتهم ويخل بمشروعية الإجراء.
رابعًا: الدور العملي للمحامي في جلسات الاستجواب
لا يقتصر حضور المحامي على الجانب الشكلي، بل يقوم بأدوار عملية جوهرية، منها:
• التأكد من سلامة الإجراءات ومراعاتها للنظام.
• إبداء الملاحظات القانونية شفويًا أو كتابيًا عبر مذكرات رسمية.
• حماية المتهم من أي ضغوط قد تمس حقوقه أو تؤثر على إرادته.
• توعية المتهم بحقوقه ومساعدته في صياغة أقواله بدقة.
• اقتراح وسائل دفاعية مثل طلب سماع شهود النفي أو الطعن في بعض الأدلة.
خاتمة
إن جلسات الاستجواب تمثل لحظة مفصلية في مسار الدعوى الجنائية، حيث تُعرض الأدلة، وتُستجلى الحقيقة، ويُبنى عليها الكثير من الإجراءات اللاحقة. وحضور المحامي فيها ليس مجرد تمثيل شكلي، بل هو ضمانة أساسية لتحقيق العدالة، وحماية لحقوق المتهم، وتجسيد لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الحقوق وصون الكرامات. وبذلك يجتمع في النظام السعودي الجمع بين الأصول الشرعية والمبادئ القانونية الحديثة، في صورة متكاملة تعزز الثقة في العدالة الجنائية.