نظام السجل التجاري الجديد 1446هـ وأثره على بيئة الأعمال

الأستاذة ريناد بنت عبدالكريم السعدون – إدارة الشؤون القانونية، تقدم لكم هذا المقال القانوني بعنوان:

“نظام السجل التجاري الجديد 1446هـ وأثره على بيئة الأعمال”

الذي يتناول أحد أبرز التحولات النظامية في قطاع التجارة بالمملكة العربية السعودية، في ضوء مستهدفات رؤية المملكة 2030.

يستعرض المقال ملامح النظام الجديد الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/83)، والذي دخل حيز النفاذ اعتبارًا من 5/10/1446هـ، واللائحة التنفيذية المصاحبة له، حيث يسلط الضوء على الجوانب القانونية والتنظيمية للسجل التجاري، ودوره في تعزيز الشفافية، وتحقيق الحوكمة الرقمية، وتنظيم العلاقة بين التاجر والجهات الحكومية والمتعاملين.

كما يتناول المقال أبرز ما جاء في النظام من قواعد تتعلق بالتسجيل الإلزامي، وتعدد الفروع والنشاطات، والإجراءات النظامية المتعلقة بالقيد والتحديث، وضوابط الشطب، وانتهاء النشاط التجاري، بالإضافة إلى التيسيرات والمهل النظامية الممنوحة للتجار والمنشآت.

“نظام السجل التجاري الجديد 1446هـ وأثره على بيئة الأعمال”

يهدف هذا المقال إلى أن يكون مرجعًا قانونيًا وإجرائيًا لكل من يزاول النشاط التجاري أو يهمه متابعة التطورات التنظيمية، بما يعزز من الوعي النظامي، ويواكب جهود المملكة في تطوير بيئة الأعمال، وتحقيق الاستدامة الاقتصادية وفق أسس رقمية حديثة.

تشهد بيئة الأعمال في المملكة العربية السعودية تحولات جوهرية ضمن مستهدفات رؤية 2030، التي تهدف إلى تعزيز التنافسية، وجذب الاستثمارات، وتحقيق الشفافية والحوكمة في المعاملات التجارية، وتُعد الأنظمة من الركائز الأساسية لبناء الثقة لدى المتعاملين بالتجارة، حيث تساهم في حماية حقوق التجار، وتيسير مزاولة الأنشطة الاقتصادية، وضمان الحقوق النظامية لجميع أطراف المعاملات.

وتأسيسًا على ذلك، ومع دخول نظام السجل التجاري حيز النفاذ اعتباراً من تاريخ 5/10/1446هـ الموافق 3/4/2025م، بموجب المرسوم الملكي رقم م/83، وجاءت لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير التجارة رقم 288 بتاريخ 20/3/2025م، ويجسّد هذا النظام مرحلة جديدة في تطوير البيئة التنظيمية للتجارة، من خلال إعادة تشكيل العلاقة بين التاجر وبقية الأطراف ذات العلاقة سواء الجهات الحكومية أو المتعاملين، ضمن إطار من الشفافية، والحوكمة الرقمية، وتحسين الكفاءة المؤسسية، بما يعزز من موثوقية السجلات التجارية ويدعم تحول المملكة إلى اقتصاد رقمي متقدم.

أولاً: ماهية السجل التجاري وطبيعته القانونية

يشكّل السجل التجاري بموجب النظام الجديد قاعدة بيانات رسمية تحفظ المعلومات الجوهرية لكل تاجر، سواء أكان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياًكالشركات، وهو يعد بمثابة السجل المدني للتجار والمنشآت التجارية، حيث لا تقتصر هذه القاعدة على حصر النشاطات فحسب، بل تتضمن أيضاً الأصول المادية والمعنوية المرتبطة بالنشاط التجاري.

ويهدف النظام إلى فرض الانضباط النظامي والضريبي في السوق، مع توفير الحماية القانونية للتاجر، لا سيما في مواجهة التعديات على الاسم التجاري أو العلامة أو بقية عناصر المتجر المعنوية والمادية.

ثانيًا: التسجيل الإلزامي والجهة المختصة

ألزمت اللائحة التنفيذية لنظام السجل التجاري كل تاجر، سواء كان طبيعيًا أو اعتباريًا، بالقيد في السجل التجاري، باستثناء بعض الحالات التي وردت على سبيل الحصر، وفقًا لما نصت عليه المادة التاسعة عشرة، وهي: 
(أ) من يزاول تجارة موسمية مؤقتة مرخصة من الجهة المختصة.
(ب) من يزاول التجارة من الباعة المتجولين أو من السيارات والعربات المتجولة المرخصة من وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
(ج) من يزاول التجارة من الأسر المنتجة المسجلة لدى بنك التنمية الاجتماعية.
(د) من يزاول التجارة من خلال حاضنات الأعمال المرخصة من الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

كما أوجبت اللائحة على الجهة المرخصة إشعار المسجل فور إصدار الترخيص لمن يمارس تجارة صغيرة وفق الحالات المذكورة أعلاه، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستثناء من القيد في السجل التجاري لا يعفي التاجر من الخضوع للأحكام النظامية الأخرى ذات العلاقة.

وقد أسندت اللائحة إلى المركز السعودي للأعمال مسؤولية إصدار رمز إلكتروني موحد لكل تاجر، يشبه رمز QR، ويُمكّن الجهات الرسمية والجمهور من الوصول إلى بيانات السجل التجاري بسرعة وشفافية، ويجب عرض هذا الرمز في المتجر الفعلي أو الإلكتروني.

ثالثاً: إجراءات القيد والتحديث

يتوجب على التاجر تعبئة طلب التسجيل إلكترونيًا أو يدويًا، وتقديم بيانات النشاط التجاري، والتواصل، والحساب البنكي خلال 90 يومًا، أما التاجر الأجنبي فعليه إرفاق إثبات تسجيله في وزارة الاستثمار، ويُسمح بالتسجيل قبل الحصول على الترخيص التجاري، بشرط استكماله خلال 90 يومًا، وإلا شُطب القيد، ما لم تُمدد المهلة رسميًا، ويُمنح التاجر مهلة 15 يوماً لتصحيح أي خطأ أو نقص في طلبه، قبل اتخاذ قرار بالإلغاء.

رابعًا: التنظيم المتعلق بتعدد الفروع والنشاطات

أولى نظام السجل التجاري الجديد اهتمامًا خاصًا بتنظيم أوضاع السجلات الفرعية للمؤسسات والشركات، حيث نصت المادة السادسة من اللائحة على أن لكل تاجر سجل تجاري واحد، بغض النظر عن عدد فروعه أو تنوع نشاطاته، ومنح المنظم مهلة تصحيحية لأصحاب السجلات الفرعية -مدتها خمس سنوات-تبدأ من تاريخ نفاذه، تتيح للمنشآت اتخاذ أحد الإجراءات النظامية التالية: 

-التنازل عن السجل الفرعي لطرف آخر ليصبح سجلًا رئيسيًا.

– تحويل السجل الفرعي إلى كيان جديد مستقل كشركة.

-شطب السجل الفرعي مع نقل أصوله وأنشطته إلى السجل الرئيسي.

كما ألزم النظام المنشآت التجارية بربط حسابات بنكية خاصة بها، في خطوة تهدف إلى تعزيز الموثوقية والشفافية المالية، وتفادي الخلط بين الحسابات الشخصية والتجارية، وألغى النظام متطلب تجديد السجل التجاري وتاريخ انتهاء السجل، واعتمد بدلاً من ذلك إجراء التأكيد السنوي الإلكتروني لبيانات السجل، والذي يجب أن يُنجز خلال كل 12 شهرًا من تاريخ الإصدار. وفي حال التأخر عن التأكيد لمدة ثلاثة أشهر، يُعلَّق السجل، ويُشطب تلقائيًا إن استمر التعليق لمدة عام كامل. وعزز النظام من مرونة المعالجة النظامية للمخالفات، من خلال استحداث مسار للإجراءات البديلة عن العقوبات، يشمل توجيه إنذار للتاجر وإلزامه بتصحيح المخالفة قبل توقيع العقوبات النظامية، وذلك دعمًا لمبدأ التصحيح قبل الردع، وتشجيعًا للامتثال الطوعي في السوق التجارية.

خامسًاضوابط شطب السجل التجاري وإنهاء النشاط عند الوفاة

يُجيز النظام للتاجر التقدم بطلب شطب قيده من السجل التجاري، ويُبت في الطلب خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام عمل، ومع ذلك، لا يُسمح بالشطب في حال وجود إجراءات تصفية أو إفلاس جارية، حيث يُشترط الانتهاء منها أولًا قبل قبول الطلب. ويُلاحظ أن شطب السجل لا يُعفي التاجر من الالتزامات المالية أو القانونية المترتبة عليه قبل الشطب.

أما في حال وفاة التاجر الطبيعي، فقد نظّم النظام هذا الوضع بشكل خاص، حيث أجاز لأحد الورثة طلب استمرار النشاط التجاري خلال مدة أقصاها 180 يومًا من تاريخ الوفاة. وإذا لم تُستكمل الإجراءات النظامية خلال هذه المدة، يتولى المسجل إشعار الورثة بمنحهم مهلة إضافية مدتها 30 يومًا، وبعد انقضائها دون استجابة، يتم إلغاء القيد تلقائيًا

ختامًا... يمثّل النظام الجديد للسجل التجاري نقلة نوعية في الحوكمة الرقمية والامتثال النظامي، إذ لا يقتصر على توثيق النشاطات التجارية، بل يُشكّل أداة استراتيجية لتنظيم السوق، وحماية الحقوق، وتعزيز الشفافية، حيث يُعد السجل التجاري في شكله الجديد مرآة تعكس النشاط التجاري الوطني، بما يواكب مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تطوير بيئة الأعمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top